1 شهر
هُوّة بين سكونين




هاربٌ من النهار إلى سلِّ الظلال، 

ومن الليل إلى وخز الضياء، 

كأنّه لا يألف طمأنينة في أيّ اتجاه، 

ولا يسكنه شيءٌ سوى التيه.

هو كائنٌ مأخوذٌ من ضِلَع القلق،

 مغموسٌ في صمتٍ لزجٍ لا يفسّره الكلام.

كلّما تنفّس الصباح،

 ضاقت روحه باتّساع الضوء،

 كأنّ الشمس تجرّد روحه من حجابها،

 وتُشهِر هشاشته على الملأ.

وحين يدنو الليل، 

تتقاطر من عينيه أسئلةٌ لا يملك مفاتيحها،

 كأنّ الظلام مرآةٌ يُرغمه على النظر في وجهٍ لا يعرفه.

لا هو من أهل الضوء،

 ولا هو من سكّان العتمة.

هو عابرٌ على تخوم الزمان، 

ساكنٌ في صدعٍ بين يومٍ لا ينتمي له،

 وليلٍ لا يحتمله.

كلّ ما فيه مترنّح… 

أفكاره نُثارٌ مهووس، 

أحاسيسه كتلٌ كثيفة من الغبار العاطفي،

 قلبه مهبُّ ريحٍ لا تعرف القرار.

يضحك أحيانًا، 

لا لأنّ الفرح قد لامسه،

 بل لأنّ الألم تعاظم حتى انفجر في صورة ضحكةٍ مشوّهة.

ويبكي أحيانًا، 

لا لفرط الأسى، 

بل لأنّ الصمت صار أثقل من أن يُحمَل.

هو ليس حيًّا على الحقيقة، 

وليس ميّتًا بمعناه.

هو علَقٌ معلَّق بين كفَّيْ وجودٍ بارد، 

وزمنٍ لا يمنحه فرصة السقوط.

الهروب عنده ليس فعلًا، بل فِطرة.

هرب من النور، لا لأنّه عدوّه،

 بل لأنّه يعرّي نُدوبه.

هرب من الليل، لا لأنّه يرهبه، 

بل لأنّ سكونه يوقظ صراخًا خافتًا لا يسمعه أحد سواه.

وحين يسأله أحدهم: “ما بك؟”

يُطأطئ رأسه،

 ويبتسم تلك الابتسامة التي تُشبه قبعةً على جرحٍ نازف.

ثم يمضي…

إلى ظلٍّ آخر، أو ليلٍ جديد…

علّه يجد في الهروب خلاصًا، ولو مؤقّتًا، 

من ذاته التي لا تهدأ


أضف تعليقاََ