بزَواية الغُرفة، أرضنا، اخذنَا برد الجدران كالوسَائد و اتكأنَى عليها كالعادة، قال بعد قتله للصمت بهدوء: نَحن مكروهِين لا تتوقّع ان يربّت على يدينَا احد، عندمَا تنحجِب عنك رؤية اي شيء او عندما تتعثّر أخبرنِي، لأنك خُذلت كثيرًا و قلبّك تكسّر فمن الصعْب ان تتأثر فيجب ان يطلعك احد على مقدار الألم الذي يجب ان تشعره بعد كل شيء لا تشعر به، غرقَت قدميْك بهذه العتمة حتّى انطفأت، اعرِف جيدًا انّك تكرهني، و تكره هذه الغُرفة حتّى ادويتي، صرت تائهًا بسديم أفكارك كشخصٍ يستكشف وادِي مهجور في مُنتصف الليل، تقول لي يا غريب لا تُسامح احدًا و لكِن ايّاك ان تكسِر شجرة تحتويك؟! انت تعلم جيدًا اننا ثلجتِين تحت صيف قاسي، انَا اعبّر بالندُوب و انت تعبّر بالسُطور، تقولي لي ايضًا يا غريب لماذا النّاس تتعلّق بالرموز لا القلُوب، و لماذا ايضًا نطلب الشروق عندما نرى الغُروب؟!
لذلك لا تنكر الحنين و تخفِي الأنين، كُنت سأعطيك كل مشاعري لتعيش مرة اخرى و لكنها سُرقت منّي مُنذ سنين، ارى الشَيطان على كتفك يا غريب لذلك سأفهمك عندما تبكي بدون ان اراك و سأنظر لعينيْك و أصدقّك عندما تقول لِي:
“انا ارى شيء يمشي على الجدران، شيء يلحقنِي بداخل مرايا المنزل، هناك شيء ينام اسفل السرير، هناك خيط حول رقبتي، خيط خالد هُناك”
عشرين قُرص دواء تعبر بلعومه دفعة واحدة، صوت الماء و هو يشربه كان مؤلمًا، اراد ان ينْهي كل قصة حزينة عاشهَا في ليلة واحدة، انتبهْت بالصدفة لصوت شريط الدواء و هو يسقط من يديه، نظرت لوجهه فأريت أبشع ابتسامة، اقصد ذلك النوع من الإبتسامات التِي لا تخرج الا بعد الخسائر الفادحة، سارعت بوضع يدي في بلعومه، استفرغ حبوبه على يدي و الأرضيّة، مع صوت سعاله المزعج هبط للأرض ليلحس ما اسقطته معدته كالمُدمنين، فقررت ان ألكم وجهه عدة مرّات حتى يفيق، فلكمته كثيرًا حتى لطّخ دمه مِعصمي، فقال لِي بصوت لا اعرفه لم يكن صوته ربما كان صوت حُزنه شخصيًا: كنّا حمقى عندما علّقنا آمالنا بغيرنَا، نحن غريبين و هذا المجتمع الساقط لا يقْبل امثالنَا، مللت من تبدِيل وجهي في كل مرّة كالحراشِف، اتذكّر عندمَا كنّا صغارًا و نربط على ظهورنا تلك الشراشف كأبطال خارقين، و لكِن لا اتذكر ايّن خسرت تلك القوى الخارقَة البريئة.
قُلت حتى من تعيش معهم ألم يعرفوا بأمر معركتك التِي تخسر بها نفسك هذه؟
قال غاضبا: مَللت من التَمثيل، انا مثّلت كل الكَادر، انا آسف و لكِن عليّ ان اغادر، و كرر لآخر مرة: ارى الشَيطان على كتفك يا غريب لذلك سأفهمك عندما تبكي بدون ان اراك و سأنظر لعينيْك و أصدقّك عندما تقول لِي:
“انا ارى شيء يمشي على الجدران، شيء يلحقنِي بداخل مرايا المنزل، هناك شيء ينام اسفل السرير، هناك خيط حول رقبتي، خيط خالد هُناك” .