سَلام.. مرحبًا.. كيْف الحَال؟ طيّبَة؟ هذَا أنا مرّه أخرَى، أرُيد أن أقُول لكِ أنّي لم أعُد وحيدًا الآن.. صار معِي الألَم، وَ القَرف، وَ الصُداع المُزمّن، والسَأم، وَ الحظّ العاثِر دائمًا.. هذَا الحظّ الذِي يتَولجني مُنذ أن كُنتُ صغيرًا، يرَافقنيِ بإنتظَام يصْعد علىَ ظهرِي، أحملِه معِي في كُل مكَان، هذَا الحظ الذِي فشِلت حتَى الآن فِي أن أوجّه لَه سبعطَعشر طعْنه فِي صدرِه وَ أتخَلص مِنه..
المُهم، أنا جوعَان هذِه اللحظَة، وَ حزِين، وَ مُنهك، وَ مشَاعري مضْطَربة، وَلا أسْتطِيع النَوم، و أعَاني مِن مشَاكل في الجهَاز التَنفُسي، وَ أشعُر أنّي وحِيد، وَ غَريب، وَ مشبُوه كمَلابس نسائيّة فِي خزَانة رجُل أعزَب، ألا يُمكنكِ أنْ تشعرِي بِي أيتُها الفتَاة الطيّبَه، الحُلوة، البعِيدة، بنت الكلْب؟ ألم تخْبركِ النُجوم، وَ البحَار، و الأفلَاك؟ ألم يخبِركِ سائقِي التاكسِي وسعَاة البريد؟ أنّي أمُر بمشَاكل عويصَة و أيّام سودَاء؟ أننِي أعيش حيَاة ضيّقة، وَ صعبَة، وتافهَه، أبدُو وَ كأنّي أعِيش فِي عُلبة سردِين صَغيرة..
ليْس ثمة شَيء أفعَله مُنذ شهرِين، غيْر أنّي أستيقِظ مِن موتِي، أترُك لعابِي على طَرف وسادتِي، أسخّن بعْض الطعَام وَ أعَاود الكتَابة إليكِ، ثُم أرجَع لفرَاشي بسُرعة البرْق، هذَا مَا يحدث كُل ليلة..
يجِب أنْ تعرفِي أيتهَا الفتَاة الحُلوة، المغْرورة، العظِيمة.. أنكِ هنَا تعيشِين فِي داخِلي، فِي بالي، وَ ضحكتِي، وَ خيالاتِي.. لا أرِيد أنْ أقول لكِ أنكِ روحِي، وَ قلبِي، وَ حيَاتي.. أو مثْل هذِه المُفردات المُبتذلة مِن فرَط التردِيد، بالطبْع لا.. أنكِ شيْء أعمَق مِن ذلكِ، أنكِ ألم لذِيذ، ألمْ غَير مؤذِي، أنكِ جحِيم لا أرِيد الخُروج مِنه، أنّني تجاهُكِ أفقِد السيطرَة علَى مشَاعري، وأفْكاري، وحقائقِي، إنكِ بمثَابة شَيء يبعَث فِي داخلِي مئَات الأحاسِيس الغريبَة، المميزَة، والمُتنوعَة.
أنّني أمر بأيام صعْبه، ومُرهّ، ولا تُطَاق.. أننّي في هذَا الوقت أتفَهم كثيرًا كَلام العَم نيرُودَا حِين قَال:
” يحدُث هكذَا أن أتعَب مِن قدميّ، وَ مِن أظَافري، وَ مِن شعرِي، و ظلّي! يحْدث هكَذا أنْ أتعَب مِن كونِي إنسَانًا ” .
بالمُناسبة أتعرفِين نيرُودا؟ إنّ كُل إمرَأة جميلَة مِثلكِ يجَب أن يكُون فِي خزانتَها علَى الأقَل فُستان أزرَق، وَ ثلاثَة كُتب لنيرودَا.. صحِيح أنهُ رجُل أصلَع و غِير جذّاب لكنّه مُبهر، وَ ذكِي، وَ ظَريف، و عظِيم جداً أنَا أحبّه.. أحِب قصائِده، أحَب طريقَة كلامُه، أحِب عقْله، أحِب عينَيه الغائرتِين، لكنّي لا أريدُ أن أصْبح مِثله! نعم أنَا أحبهُ لكِن لا أرِيد أن أصبح مِثله ما المُشكلة في أنْ يحِب المَرء شيئًا مَا لكنهُ لا يرِيد أن يصْبِح مثلَه؟ أنَا لا أرِيد أن أصْبح مثل العَم نيرودَا لا أرِيد أن أعْمل في سِكك الحَديد، لا أريد أنْ أصَاب بمَرض يُقعِدني عَن الحَركة، لَا أرِيد أنْ أمُوت وَ أنا عَاجز طَريح الفِراش، لا أرِيد أنْ أمُوت مثْل جيڤارا.. مَا دَخل جيڤارا فِي الموضُوع؟ لا أعْرِف، ربمَا لأنهُ مَات بطَريقَة مُخيفَة، وَ مؤلمة، وَ مُزعجة.. وَ أنَا لا أرِيد أن يحدُث لِي أيًا مِن ذَلك، لا أريد أنْ أصَاب بالشيخُوخَة، لا أرِيد أنْ أمُوت مُبكرًا، ثمة أمُور لَم أفعَلهَا بعْد، فأنَا مَا زلت وَحيدًا، وَ فقِيرًا، وَ مرعُوبًا، وَ لَم أستطِيع أنْ أسرِق إحدَى حمّالات صَدرك، أوْ أقبلّكِ أمام والدُكِ، لَم أضاجعُكِ بعد! وَ لم أكتُب عَن وجْهك المُؤلم ألْف قصِيدة، لمْ أفعَل أيّ شَيء.. لَم أشَارك فِي ثورَة ضِد الشيُوعِيّة، لَم أقتُل المَزيد مِن القِطط فِي الحيّ، لم ألتقِي بكريستيَانو رونَالدو، لَم أمتَلك منزِل صغِير أو دَراجة ناريّة أسَابق بهَا الزمَن، لَم ألمِس مؤخِرة بريتنِي سبِيرز، وَ لَم أحصُل على تذكِرة سفَر لسويسرَا ثمّة العَديد مِن الفتيَات هُناك اللواتِي لم يصبحنّ حبيباتِي بعْد.. ماذا أيضًا؟ نعم ولَم أصبِح قرصاَنًا لِحد الآن في الحقيقة أنا أحلُم بأن أكُون قرصَانًا سكيرًا ذو سُمعة سيئة مهوُوس بالثرَاء يقضِي نِصف عُمره في البِحار بحثًا عَن المجَوهرَات.. هَذا الأمْر رهِيب وَ مُمتع وَ مُسلّي..
أوه يالحجْم أحْلامِي، وَ أفكَاري، وَ تفاهَاتي.. أنَا شخْص سلبِي و لا يُمكن أنْ أمَارس حياتِي بشكل طبيعِي، أعرف ذَلك، أنتِ أيضًا تعرفين ذَلك.. تعرفِين أنهُ ليس بوسْع أحَد أن يتقبّلني أوْ يعِيش معِي هَذا الأمر مُصِيب، وَ مؤلِم، وَ واقع تمَامًا، لَيس هُناك مَن يتفهَم طيشِي وَ تقلبَاتي وهرائي غيركِ، تعرِفين أنّي بدونكِ أبدُو كشَيء زائد في هذَا العاَلم.. تدُور حولِي المشَاكل، وَ المصائِب، كمَا يرقُص الهنُود الحُمر حَول شُعلة مِن النّار، تعرفِين ذلِك صَح؟
أرِيد أنْ أصارِحكِ بشَيء بينِي وبينِك يعنِي، البارحَة عندمَا كنتُ عائدًا للمَنزِل كنتُ أحمِل معِي هاتفِي وَ كِيس سَمك مُثلج، كُنتُ أفكِر فيكِ طوَال الوقت.. كنْتِ تتجولِين في عَقلي مثل عَارضَة أزياء، لحِين وَصلت للمنزِل أتّجهت صَوب المطْبخ فتَحت باب الثلاجَة، و وضَعت هاتفِي في داخلهَا ثم أغلقتهَا، و ذَهبت للسَرير وَ أنَا أحمِل كِيس السمَك معِي.. تصورِي حجْم البَلاهه؟ لقد نجَحتِ حقاً فِي سرقَة عقلِي وألتهمتِ قلبِي مِثل قطعَة فراولة صَغيرة ..
أنا الآن بلا هَوية.. أنا جَافّ و مُحطّم مِن الدّاخل كبقَايا مُخلفات حَرب فيتنَام، أنَا تائِه وَ أمضي بلا وجهَه، أنَا بُوصله معطوُبة، حيَاتي تسِير بالعكْس تطَاردني الشيخُوخه وَ اللّعنات أينَما هَربت، أنا شَيء غير مُمكن، أحتَاج للرَاحة أحتَاج لطبِيبة نفْسيّة، أحتَاج لحظّ جدِيد، حظّ جيّد.. كحظ “جورجّ بوش” عندَما تفادَى جزمة “مُنتظر الزيدي” أو كحَظ ليونيل ميسي فِي تنفِيذ ركلات الجزَاء، أو كحَظ ذلك الرجُل البدِين ذُو الأثدَاء المترهلَه الذِي رأيتُه يقطَع الشّارع عصْر اليَوم وَ هو مُمسك بيد فتاة جميلة وَ كارثيّة..
يبدو أنّني غَارق في الوَهم، عالِق بين جُدران غرفتِي، غُرفتي التِي أصبحت عبَاره عَن تابُوت كبِير، ألقِي بنفسِي فيهَا على فِراشي كسيجَاره مُدخنّة، كورقَة شَجره يابسَة.
أرِيد أن أعتذِر لكِ أنَا أسِف بجَد، أسِف لأنّي حاجَه مُش كويسَه، حَاجه تالفَة، أنَا مُصِيبة، أنا حَالة طارئَة، أسِف جدًا لأنّي أكتُب هذَا الهُراء الطوِيل وأدخّن السجَائر الردِيئة، أسِف بجد لأنّي لَم أصبِح عظيمًا مثْل كافكَا وَ أكتُب لكِ كمَا كَان يفعَل لميلِينا، أسِف بجَد لأنّي كُل يَوم أجلِس فَوق الرصِيف علَى مؤخرتِي الصغَيرة وَ أحاوِل أنْ أكتُب شيئًا جدِيدًا شيئًا غِير مُهم.ة شيئًا لا أكسَب مُقابِل منِ ورائه لا أحَد يُصفق لِي لا أجنِي نقُودًا و لا نِساء فِي سريرِي..
أنّي أكتُب لكِ فقَط لأنهُ لَيس بيدِي شَيء، ليسَ فِي وسعِي الخُروج للشَارع والصرَاخ باسمكِ وَ لو فعَلت هذَا سيطلُب الجِيران لي الشُرطه وَ يشاع عنّي أننِي صبِي أحمَق فقَد صوَابه وَ هزمه الجنُون، أننِي أكتُب لأنّي لا أعرِف كيف أبكِي، نسِيت كَيف أفعَل ذلِك إنّ أخر مَره بكيت فيهَا كانَت فِي عَام: ٢٠٠٠م ..
أنَا متَاهه كبيرَة، أنا صحرَاء قاحِلة، أنَا حديقة تحترِق، أنَا كافِر بالدمُوع صارحنِي بهذَا والدِي قائِلاً لِي بأنّ أمِي عندما ولدتنِي في غُرفة العمَليات وَ أمسَكت بي المُمرضة مِن قدمَي وَ قلبتنِي رأسًا عَلى عقِب لَم أكنّ أبكِي حينهَا كبقيّة الأطفَال وَ أيضاً لَم أكُن َأضحَك، كنْتُ صامتًا كمقبرَة أو كنجمَة بعيدة تلُوحّ في السمَاء كَان هذا غَريبًا و مذهِلًا لكنّه غِير مُهم بالنسبة لِي؛ لأنّي ما زِلت أمَارس هُرائي مَا زِلت أكتُب لأرتَاح لأزِيح عن صدرِي أشيَاء عدِيدَة، ثقيلَة، مُؤلمة، و نَتنه.. إننِي حَالمَا أكتُب فأنَا أشعُر بإرتيَاح عمِيق يسكُن روحِي، أعنِي أتعرفِين ذلِك الشعُور الذِي يخَالج المرْء عندَما يحْبس البَول في مثانتَه لمدّة ثلاثة ساعَات مُتتاليَة؟ ثم بعْد ذلِك ينفجِر في دورة الميَاه كنافُورة تضُخ الماء فِي السمَاء؟ أنا أشعُر بذات الشعُور تقريبًا حِين أكتُب.. مع أنّه ليس هنَاك أيّ أمر هَام لأكتُب عنْه.